"مستمرون بالعلم: أمل ينهض من تحت الركام في غزة"
محمود الشبول :
وسط الدمار الذي خلفته الحرب المستمرة على قطاع غزة، وتحديداً في مخيم المناصرة بمدينة دير البلح، تنبثق بارقة أمل للأطفال النازحين. "مستمرون بالعلم والتعليم"، هو اسم المبادرة التي أطلقها المعلم الفلسطيني محمد معين الخضري، و تهدف إلى تقديم الدعم التعليمي والترفيهي لأطفال مراكز الإيواء، ممن يعيشون في ظروف تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
تعليم يتحدى القصف
المعلم محمد معين الخضري، الذي نجا من قصف إسرائيلي وأُعلن عن استشهاده قبل أن يظهر مجددًا ليواصل مهنته النبيلة في التعليم، أطلق هذه المبادرة إدراكًا منه لحجم المسؤولية التربوية الملقاة على عاتقه. في ظل شلل العملية التعليمية في قطاع غزة، شعر الخضري بالحاجة إلى التدخل، ليس فقط للحفاظ على المستوى التعليمي للأطفال، بل لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
بين التعليم والترفيه
تركز المبادرة على تعليم الأطفال أساسيات اللغة العربية والخط العربي، باستخدام أساليب تعليمية حديثة ومبتكرة تتناسب مع الواقع الصعب الذي يعيشه أطفال قطاع غزة. يتضمن البرنامج التعليمي أساليب متعددة مثل الدراما، والقصص، والتعلم بالموسيقى، والدمى، والحكواتي، مما يسهم في جعل عملية التعلم أكثر جذباً وتشويقاً للأطفال.
تُقام الأنشطة التعليمية في ثلاثة أيام أسبوعياً داخل مخيم المناصرة بجوار مستشفى شهداء الأقصى. وتستهدف هذه الأنشطة الأطفال من الصف الأول حتى الصف السادس الأساسي، مع التركيز على تطوير شخصياتهم من جميع النواحي التعليمية، والتربوية، والنفسية، في محاولة لبناء جيل قادر على مواجهة التحديات التي فرضتها الحرب.
التأثير المجتمعي والتحديات
أحدثت المبادرة حراكاً ملحوظاً في المجتمع المدرسي والمحلي، حيث لاقت تفاعلاً إيجابياً من الأهالي والأطفال على حد سواء. يتفاعل الأطفال مع الأنشطة ويجدون فيها متنفسًا بعيداً عن الخوف والقلق الذي يحيط بهم. وقد أشاد الأهالي بجهود المعلم الخضري في إعادة الأطفال إلى أجواء التعلم، معربين عن سعادتهم بالتغيير الإيجابي الذي طرأ على سلوك أطفالهم نتيجة لهذه المبادرة.
ومع ذلك، يواجه المعلم الخضري وفريقه العديد من التحديات، أبرزها شح الإمكانيات. فالمبادرة تعتمد على الجهود الذاتية والتطوعية في ظل غياب الدعم المادي واللوجستي، مما يحد من قدرتهم على توسيع الأنشطة أو استقطاب متطوعين آخرين للمساعدة. نقص القرطاسية، والمستلزمات المدرسية، والهدايا، والوجبات الغذائية، والخيام التعليمية كلها صعوبات تواجه المبادرة، لكن روح الإصرار والعزيمة لم تثنِ القائمين عليها عن مواصلة عملهم.
دور المبادرة في تعزيز الانتماء الوطني
تمثل المبادرة قيم الانتماء للوطن وللعملية التعليمية، وتبرز كإبداع ريادي في مواجهة الظروف القاسية. يسعى المعلم الخضري من خلال هذه الأنشطة إلى غرس حب الوطن والعلم في نفوس الأطفال، مؤكداً على أن التعليم هو السلاح الأقوى في مواجهة الاحتلال والتحديات.
المستقبل والتطلعات
على الرغم من التحديات، فإن المعلم الخضري يحلم بتوسيع نطاق المبادرة لتشمل المزيد من الأطفال والمناطق. يدعو الخضري لدعم هذه المبادرة إعلاميًا ومعنويًا وماديًا، لإيمانه بأن أطفال فلسطين يستحقون الحياة، وأنهم قادرون على الخروج من تحت الركام ليحلقوا في سماء الإبداع والتميز.
المبادرة التي بدأت بفكرة بسيطة وتطوع فردي أصبحت اليوم نموذجًا يحتذى به في قطاع غزة. إنها قصة تحدٍ وإصرار، تروي حكاية أطفال فلسطين الذين، رغم الحرب والدمار، ما زالوا يتطلعون إلى مستقبل أفضل، ويجدون في التعليم أملاً جديداً يتجاوز حدود المعاناة.
في ختام حديثه، يوجه المعلم محمد معين الخضري رسالة إلى الأطفال وأهاليهم قائلاً: "أطفال فلسطين يستحقون الحياة، وهم كطائر العنقاء يخرج من بين الركام ليحلق في سماء الإبداع والتميز". هذه الكلمات تلخص جوهر المبادرة، التي تهدف إلى دعم الأطفال في رحلتهم نحو التعلم والنمو، رغم كل ما يواجهونه من تحديات.
تظل مبادرة "مستمرون بالعلم والتعليم" شاهداً على قوة الإرادة والعزيمة في مواجهة التحديات، وتجسد الأمل الذي يضيء الطريق لأطفال غزة في رحلة نحو مستقبل أفضل.
إرسال تعليق