غدًا تُشْرِقُ شَمْسٌ جَدِيدَةٌ / قصة للأطفال (8/14)
#سما_حوران : الاديب سامر المعاني
...
دَخَلَتِ المُعَلِّمَةُ غُرْفَةَ الصَّفِّ ، وَأَلْقَتِ التَّحِيَّةَ عَلَى الطُّلَّابِ ، لِيَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلٌّ فِي مَقْعَدِهِ ، بِمَا فِيهِم خَالِدٌ ، الذِي يُلَازِمُ الجُلُوسَ دَائِمًا عِنْدَ البَابِ،
فَخَاطَبَتْهُ المُعَلِّمَةُ وَبَادَرَتْهُ بِسُؤَالِهَا :
مَا بِكَ يَا خَالِدُ؟
ثُمَّ التَفَتَتْ إِلَى جَوَادَ بِنَفْسِ السُّؤَالِ،
مَا بِكَ يَا جَوَادُ؟
جَوَادٌ : لَقَدْ دَفَعَ بِي خَالِدٌ بِقُوَّةٍ عِنْدَمَا جَلَسْتُ عَلَى هَذَا المَقْعَدِ دُونَ أَنْ أَفْعَلَ لَهُ شَيْئًا.
المُعَلِّمَةُ : عُدْ إِلَى مَكَانِكَ يَا جَوَادُ وَلَا تُكَرِّرْ ذَلِكَ يَا خَالِدُ.
تَابَعَتِ المُعَلِّمَةُ حِوَارَها مَعَ خَالِدٍ حَوْلَ نَفْسِ المَوضُوعِ .
المُعَلِّمَةُ : أَرَى أَنَّ الجُلُوسَ عِنْدَ البَابِ يَسْتَهْوِيكَ ، لَا مُشْكِلَةَ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَغْلِقِ البَابَ مِنْ فَضْلِكَ يَا خَالِدُ ؟
لَمْ يَسْتَجِبْ خَالِدٌ لِطَلَبِ مُعَلِّمَتِهِ وَبَقِيَ جَالِسًا فِي مَكَانِهِ دُونَ أَنْ يَتَكلَّمَ مُطْلَقًا .
خَالِدٌ طِفْلٌ جَمِيلٌ جِدًّا، وَجْهُهُ الأَبْيَضُ وَشَعْرُهُ الأَسْوَدُ النَّاعِمُ، يَتَطَايَرُ مَعَ نَسَمَاتِ الهَواءِ، يُبْهِجُ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ؛ رَغْمَ ثِيَابِهِ الرَّثَّةِ وَصَمْتِهِ المُطْبِقِ طَوَالَ الوَقْتِ .
الجَمِيعُ يَغْمُرُونَهُ بِالابْتِسَامَاتِ والقُبُلَاتِ ، وَالتِي كَانَ يَخجَلُ مِنْهَا كَثِيرًا ؛ فَهُوَ يَشْعُرُ بِأَنَّهْ قَدْ كَبُرَ، لَقَدْ أََصْبَحَ الآنَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ، ولَمْ يَعُدْ صَغِيرًا ليُقَبِّلَهُ أو يَحْتَضِنَهُ أحَدٌ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ مُعَلِّمَتَهُ .
طِفْلٌ كُلُّ مَا فِيهِ يُثِيرُ الأَسْئِلَةَ والدَّهْشَةَ والاسْتِغْرَابَ ، قَلَّمَا يَبْتَسِمُ أَوْ يَضْحَكُ، تَكَادُ لا تَرَى أَسْنَانَهُ مُطْلَقًا، خَجُولٌ حَتَّى أنَّهُ لا يُشَارِكُ فِي الحِصَصِ المَدرَسِيَّةِ، وَلَا يَتَفَاعَلُ مَعَ أَحَدٍ دَاخِلَ أوخَارِجَ غُرْفَةَ الصَّفِّ، وَيُفَضِّلُ الذَّهَابَ إِلَى المَدْرَسَةِ والعَوْدَةَ مِنْهَا وَحْدَهُ وَبِلَا رَفِيقٍ ، كَمَا أنَّهُ لَا يُجَالِسُ أقْرَانَهُ فِي المَدْرَسَةِ أَوِالحَارَةِ أَوْ يَلعَبُ مَعَهُمْ .
المُعَلِّمَةُ أمَانِي مِنَ المُعَلِّمَاتِ المُخْلِصَاتِ بِحَقٍّ، المُهتَمَّاتِ بِأََحْوَالِ طُلَابِهِنَّ وَتَشْعُرُ أنَّ رِسَالَةَ المُعَلِّمَةِ لَا تَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى تَعْلِيمِ الطُّلَّابِ دُرُوسِهُم وَتَقوِيمِ سُلُوكِهِمْ ، لِذَا كَانَتْ دَائِمَةَ المُتَابَعَةِ لِطلَّابِهَا ومُهْتَمَّةً بِهِم وَ تَحْدِيدًا خَالِدًا عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ ، إِذْ إنَّ أَحْوَالَهُ وَتَصَرُّفَاتِهِ وَرُدُودَ أَفْعَالِهِ كَانَتْ لَافِتَةً لِنَظَرِهَا كَثِيرًا ؛ وَتَحْدِيدًا حِينَما امتَنَعَ خالِدٌ عَنْ إِِغْلَاقِ بَابِ الصَّفِّ فِي حِصَّةِ الإملَاءِ تِلْكَ ؛ فَبَعدَ تَكرَارِ المُعَلِّمَةِ الطَّلَبَ مِنْهُ إِغْلَاقَ الَبَابِ لَمْ يَسْتَجِبْ خَالِدٌ بَلْ أَجْهَشَ بِبُكَاءٍ مَرِيرٍ ازْدَادَ حِينَمَا تَبَرَّعَ أَحَدُ طُلَّابِ الصَّفِّ وَأغْلَقَ بَابَ الصَّفِّ ، فَمَا كَانَ مِنْ خَالِدٍ حِينَهَا إِلَّا أَنْ قَامَ مِنْ مَقْعَدِهِ وَفَتَحَ البَابَ مَرَّةً أُخْرَى .
كَانَ لَدَى المُعَلِّمَةِ الكَثِيرَ مِنَ الخِبْرَةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ الفِئَةِ العُمْرِيَّةِ البَالِغَةِ الأَهَمِّيَّةِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ وَ بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ لَدَيْهِ ، فَهَذَا التَّصَرُّفَ يُثِيرُ الجَدَلَ وَالشَّفَقَةَ .
فَقَدْ أَقْلَقَ وَضْعُ خَالدٍ المُعَلِّمَةَ كَثِيرًا ، لَيْسَ لهَذَا التَّصَرُّفِ فَحَسْبُ ، لَكِنْ لِأَنَّ خَالِدًا كَانَ لَا يَمْتَثِلُ لِأَمْرٍ وَلَا يُكَلِّمُ أَحَدًا ، وَلَيْسَ لَدَيْهِ أَصْدِقَاءُ ، حَاوَلَتِ المُعَلِّمَةُ أَنْ تَمْتَصَّ المَوْقِفَ وَتَسْتَوْعِبَ خَالِدًا لِتَتَعَرَّفَ مِمَّ يُعَانِي ، وَمَا سَبَبُ كُلُّ هَذِهِ الوِحْدَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الغَرِيبَةِ ، فَلَمْ تَمْلِكْ إِلِّا النُّزُولَ عِنْدَ رَغْبَتِهِ ، وَ أَنْ تُبْقِيَ البَابَ مُشْرَعًا .
اسْتَوْقَفَتْهُ المُعَلِّمَةُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الحِصَّةِ وَحَاوَلَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ عَلَى انْفِرَادٍ بَعْضَ الأَسْئِلَةِ الخَاصَّةِ عَنْ بَيْتِهِمْ وَأُسْرَتِهِمْ ؛ عَلَّهَا تَصِلُ إِلَى فَهْمٍ أَوْ طَرِيقٍ يَقُودُهَا لِحَلِّ مُشْكِلَةِ خَالِدٍ ، وَمَا هُوَ سَبَبُ خَوفِهِ مَنَ الأَمَاكِنِ المُغْلَقَةِ ، وَلِمَاذَا لَا يَبْتَسِمُ أَوْيَنْخَرِطُ مَعَ أَبْنَاءِ صَفِّهِ أَوْ عَلَى الأَقَلِّ يَتَفَاعَلُ أَثْنَاءَ الحِصَّةِ ، غَيْرَ أَنَّ مُحَاوَلَتِهَا تِلْكَ بَاءَتْ بِالفَشَلِ ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْصُلَ عَلَى إِجَابَةٍ وَلَوْ وَاحِدَةٍ شَافِيَةٍ مِنْ خِلَالِ أَسْئِلَتِهَا تِلْكَ . مَا ضَاعَفَ وَزَادَ مِنْ حِيرَتِهَا وَشُعُورِهَا عِنْدَ احْتِضَانِهَا لَهُ وَقْتًا طَوِيلًا يَكَادُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَهُوَ الذِي يَفِرُّ مِنْ الانْخِرَاطِ بِالنَّاسِ ؛ لِيَتَأَكَّدَ لَهَا أَنَّ هَذَا الوَجْهَ الجَمِيلَ يُخْفِي حِرْمَانًا وَحُزْنًا كَبِيرَيْنِ .
بَعْدَ هَذِهِ الحَادِثَةِ ، غَابَ خَالِدٌ عَنِ المَدْرَسَةِ عِدَّةَ أَيَّامٍ مُتَتَالِيَةٍ ، الأَمْرُ الذِي جَعَلَ المُعَلِّمَةَ تَسْأَلُ عَنْهُ زُمَلَاءَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ حِصَّةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَغَيَّبَ فِيهِ عَنِ المَدْرَسَةِ ، لَكِنْ دُونَ جَدْوَى اَوْ فَائِدَةٍ .
فِي اليَوْمِ السَّابِعِ لِغِيَابِهِ ازْدَادَ خَوْفُهَا وَقَلَقُهَا عَلَيْهِ وَقَرَّرَتْ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، لِتَتَعَرَّفَ عَلَى أُسْرَتِهِ وَتَسْأَلَ عَنْهُ، فَلَرُبَّمَا تَصِلُ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِ وَمَا يَكْمُنُ وَرَاءَ تَصَرُّفَاتِهِ واعْتِز
إرسال تعليق