الدنيا لا زالت بخير

الدنيا لا زالت بخير

 الدنيا لا زالت بخير 


 #سما_حوران : نجاح المطارنه 

 في إحدى مراجعاتي لعيادة طبيب العيون، لفت انتباهي دخول شابة في مُقتبل العمر  تقود مقعداً متحركاً لسيدةٍ طاعنةٍ في السن، كنت للوهلة الأولى أحسبها والدة تلك الفتاة، جَلَسَتْ على الكرسي المُحاذي لمقعدي، تنتظر دورها. فوجئت بسيدةٍ أخرى في الطرف الآخر من غرفة الانتظار تُوجّه لها سؤالاً مُعتاداً، والدتك؟؟ أجابتها بابتسامةٍ وادعة، نعم (والدة زوجي)، ضحكت المتسائلة وباستغراب، ردّت عجيب!!   معقول أن الدنيا لا زالت بخير، لا أصدّق ما أسمع، متى كانت الحماة أمّاً لزوجة الابن!!    قاطعتها، ولماذا الاستغراب يا سيدتي ؟ أليست هذه السيدة والدة زوجي الذي اختارني شريكة حياته، ومَنَحَني كلّ الحب والاحترام، وضحّى بكلّ ثمينٍ من أجلي وأجل سعادتي ؟ أليست هي جدّة أبنائي التي تحتضنهم صباح مساء بكلّ شوقٍ وحنانٍ ودعاءٍ متواصلٍ لنا جميعاً بإدامة الصحة والعافية، والتي تغمرنا بها في كل صلاة، ؟نستمدّ منها إيماننا بأن الله سيكون معنا جميعاً بصدق دعائها، وأبتهالاتها الدائمة إلى الله سبحانه وتعالى ان بحفظنا  برعايته ؟، 

 حماتي كما تقولين سيدةً عظيمة، مات زوجها قبل خمسة أعوام، بقيت وحيدة في البيت بعد وفاته، زوجي ولدها الوحيد، الذي يفرض عليه قبل كل شيء الواجب الديني، ومن ثم العُرف الاجتماعي،  والأخلاق أن يكون الأولَى برعايتها، وحُسنِ معاملتها، وتقديم العون لها في مثل هذا العمر، لا أن يأخذ بها إلى إحدى دور رعاية المسنين، تعيش بقيّة عمرها يائسةً حزينة، ؟ كان لزاماً عليّ أن أقوم بخدمتها في منزلي بكلّ طِيب خاطر، وأرعى معيشتها معنا. فأنا أُحبُّها من كلّ قلبي لأنها بمثابة والدتي حقاً. 

فلكم ضحّت هذه الأم من أجل زوجي ولدها الوحيد، ومن أجل تعليمه مما توفره من راتبها عندما كانت تعمل ممرّضةً في إحدى المستشفيات، بحُسنِ إدارتها وقدراتها، وفّرت مستقبلاً نيّراً لولدها حتى أصبح اليوم وبفضل تضحياتها الطويلة رجل أعمال مرموق، وبفضل الله علينا، ووجودها بيننا، ورضاها الدائم علينا، فتحت لنا كل أبواب الرزق والخير.

 لا أروع، ولا أجمل من صباحٍ نشاهدها تنتظر يقظتنا من النوم، تستقبل الأولاد بابتسامتها الطيّبة، تحتضنهم بقبلاتها الحارة قبل ذهابهم إلى المدرسة، وبكلّ وقارٍ وهيبة، تُودّعنا بقُبلةٍ تطبعها على جبين كل فردٍ منّا، وهي تُواصل دعواتها بالتوفيق والعودة سالمين غانمين، هذه اللحظات الصباحية تُساوي عندي ملك الدنيا، تردفني بكمٍّ هائلٍ من الراحة والهدوء، والذي ينعكس على عملي الذي أقوم به بكلّ إتقانٍ وتفانٍ. لأنني مرتاحة البال، لا يُعكّر صفو يومي أي تأنيب ضمير يُكدّر خاطري، لأنني لم أقم يوماً بأيّ عملٍ سيء تجاه هذه الأم المُضحّية العظيمة، والتي لم أرَ منها إلاّ كل خيرٍ ووداعةٍ وطيبة.

 لقد لازمتني حياتي الزوجية بكلّ أريحية، أرتاح لوجودها مع أبنائي، ورعايتها لهم أثناء غيابي، والاهتمام بدراستهم. وأنا بدوري لا أُنكِر كم تعلّمت من هذه السيدة الطيبة دروساً مفيدةً في إدارة البيت، وإعداد وجبات الطعام المُحبّبة إلى جميع أفراد العائلة. سعادتنا جميعاً لا تُوصف، كلما قدّمنا لها ما تحتاجه، لأنني وزوجي نؤمن بأن الحياة "دين ووفاء"، فما نُقدّمه لها اليوم، نرجو أن يُقدّم لنا غداً عندما يبلغ بنا العمر مرحلةً نحتاج فيها إلى مساعدة ومساندة الأبناء لنا.

 نرجو الله أن نكون قد أوفينا بحق هذه الأم الجديرة باهتمامنا وحُبّنا، وأن يُديم المولى عليها الصحة وحُسن ختام الدنيا والآخرة.

 كم كبرت في نظري هذه الصبية العاقلة،،، وبِصَمْتٍ ردّدت " الحمد لله الدنيا لا زالت بخير"

Post a Comment

أحدث أقدم